لعنة الله علي المسؤولية ، ترددها بعد ان تنهي المكالمة التي أيقظتك مبكرا في أول أيام إجازتك السنوية الأولي لك منذ عامين وتتأهب للقيام بالأعباء الأسرية التي لا مفر منها ، الأسبوع الماضي قضيته ( جليسة أطفال ) ، ترعي الأطفال صباحا وتذهب للعمل مساء ،هكذا لمدة أسبوع كامل حتي أوشكت علي الانهيار ، هل لديكم خبرة مع تربية الأطفال ؟ حسنا من لديه خبرة منكم سيتفهم ما أقوله ، ومن ليس لديه هذه الخبرة بعد فليهنأ بالسلام قليلا لأنه وباختصار ، الأطفال هم أكبر مخلوق سادي في هذا العالم
يستقبلونك في الصباح الباكر لتقضي معهم اليوم منفردا ، طلبات لا تنتهي ،ما أن تلبي لهم ما يطلبون حتي يطلبون شيئا آخر ، تقول أمهم أنهم ( بيشتغلوك ) عشان طيب وأنهم لا يطلبون منها نصف ما يطلبونه مني ، وتظن أن كلامها صحيح ، وعموما اختزلت فريدة المشهد بأكلمه ولخصته حين كنا نشاهد صورا علي الكومبيوتر وتسألها مين ده يا فريدة ؟ وتتوالي إجابتها ( نور ، عمو يحيي ، عمتو ، ماما ) وحين وصلنا إلي صورة الفقير إلي الله ردت ( العبيط ) !لا تعرف من لقنها ذلك أم أنها فطرة الأطفال ؟! تفكيرك الطويل في أمورك هداك للاقتناع أنك ( خُلٍقت أباً )، تراجع رصيدك من العلاقات النسائية وتكتشف انك في علاقاتك كلها وبلا استثناء ومعهن جميعا تصرفت بأبوة في معظم الأحيان ،هذا ما ألقي بك في الجحيم ، ولكنه علي أيه حال ربما أبقي صورة طيبة لك في ذاكرتهن ،من المؤكد أن أغنية يا طيب التي أرسلتها لك أكثر من واحدة بعد اللقاء الأخير لم تكن صدفة
تنهي المهام الأسرية وتذهب إلي وسط المدينة والمكتبة ،انت لا تعمل بها لكنك تذهب وتتصرف وكأنك مازلت صاحبها ، لماذا تذهب إليها ؟ هل أنت أسير لعاداتك أم أنك تخشي أن يسألك احدهم ( لماذا تركت الحصان وحيدا ) ،ربما الاثنين معا ، تجلس ساعتين وترحل ، قبل الصعود للمنزل تفكر في الأشياء التي تحتاجها ، تذهب للسوق لشراء ( شيء من الخوخ ) ثم تنتبه أن هذا ليس أوانه ،تكتفي بتأمين سجائرك وتذهب للمنزل
تتابع الأخبار وتشعر انك علي وشك الانهيار بسبب السياسة اللعينة ،تلمح عودك الذي ابتعدت عنه قليلا في الفترة الماضية تلتقطه وتردد أنك لن تسمح لنفسك بالابتعاد عن العزف مهما حدث ، تستمع إلي أيظن في رأسك ، تعزف منها لأول مرة الجمل التي تحبها والتي تبدأ من عند ( حمل الزهور ) وترسم أمامك كلماتها شكل ما سيحدث في اللقاء الذي سيحدث يوما ما قرُب أم بعُد مع ( البنت الجميلة التي تحبها والتي كان يصلح ذلك اليوم الصيفي البعيد للقائها لو تذكرون) ، تفكر في عبد الوهاب قليلا ، ممارستك للموسيقي جعلتك تفهم إلي حد ما إصرار الجميع علي عبقرية عبد الوهاب ، إنه أسطوري فعلا ، تدرك ذلك بالممارسة ، لا تعرف كيف تعبر عن سر عبقريته وتشعر أن اللغة تخذلك ولن تتمكن من صياغة سر عبقريته في جملة دقيقة لكنك تحاول وتقول أن ( سر عبقريته انه يمتلك قدرة مذهلة علي نسج الجملة ، نسج الجملة وهندستها ، تشعر انه يضع النغمات أمامه(خام ) ، يتأمل فيها طويلا ثم يبدأ في النسج والتشكيل والبناء لتخرج في النهاية هذه القطع الموسيقية الفريدة) ، وتفكر ان بليغ ليس كذلك ، بليغ تُقذف إليه الجُمل قذفا من السماء لتخرج كما أوحيت إليه بتصرف بسيط ، وربما هذا سر شعبية موسيقاه ، تشعر بطاقة موسيقية تتدفق أخيرا بعد غياب ويمدك الراديو بالمزيد بتتابع أغنيات تحبها كثيرا وتندمج وعودك معها وتنفصل أخيرا عن الأرض ، تفكر أن تكتب قليلا وتفكر أن ذلك سيأخذ من وقت الموسيقي والعزف ، تواصل عزفك واستماعك رغم حيرة الكتابة ،تنهي الإذاعة الوصلة بلحن بليغ الأثير لديك وتشعر أن أغنية ( تعب القلوب ) معبرة في هذه اللحظة تعتبر أن بليغ أبدع كثيرا فيما قدمه مع محرم فؤاد تحديدا وتدندن بصوتك (كله ماشي ) ، تقرر أن تكتب الآن ولو لمرة اخيرة قبل أن تعود للموسيقي