طرق الباب ، ووجدتها أمامك باسمة ، قطعت دهشتك
وقالت لم أجد سبيلا للوصول إليك إلا هكذا
، أفسحت لها لتدخل ، جلست ، أطالت
النظر في مظهرك المهمل ، قالت إحلق ذقنك
وارتدي ملابسك سنخرج شئت أم أبيت
تنتبه ان لحيتك
قد طالت بشكل زائد ، تستجيب
لرغبتها ، تخرج بعدها بنصف ساعة ، تسحبها من يدها وتخرجا
كنت قد نسيت شكل الشارع
تقريبا ، تسيران بغير هدي ، تجلسا في أقرب مكان مناسب
قالت ، ماذا بعد وإلي
متي ، لست وحدك من يعيش قصة غريبة ،تصمت
قليلا تفكر ألا ترد ، تقول
لها
بهدوء ، ليست المشكلة في القصة الغريبة ، المشكلة انها قصص غريبة
، مثل سباقات التتابع ، تنهي قصة لتدخل في الأخري ، عَلقَت
/ لا أعرف سوي هذه القصة ، أجبت ولذلك تسألين
.
شردت طويلا ، قلت لها فجأة ، كنت المسؤول عن ذلك للأسف ،
الحقيقة أنني المسؤول ، أمضيت حقبة من العمر أبحث عن القصص الغريبة حتي اقتحمتك ولا تريد ان تخرج ، أردفت بهدوء ( لهم ما يشاؤون عند ربهم ولدينا المزيد )
قالت علي الأقل سيكون
لديك رصيدا من الحكايات ، كدت ان أرد
عليها الرد اللائق بمثل هذا التعليق وصمت فجأة
قلت لها ، قبل ثلاثة وعشرون عاما ، كنت أواظب علي
الذهاب يوميا صباحا لحديقة عامة مجاورة
، معظم
الجالسون هم من أصحاب المعاشات
الذين يقضون وقتهم في مطالعة الصحف صباحا ثم العودة لبيوتهم ، كان هناك
بعض العشاق طبعا ، وينضم إليهم في الشتاء
الصبية الهاربون من مدارسهم
استرسلت قائلا / وكان هناك أيضا الرجل الذي يتكلم في كل القضايا ، كان
شابا طيبا وبسيطا وعميقا ، كنت
استمع إلي حواراته مع قراء الصحف من أرباب المعاشات وأندهش بشدة من كلامه ، كانوا
يقرأون الأخبار بطريقة ويتوصولون لنتيجة
،ويفاجئهم ه بنتيجة مختلفة أكثر عمقا ،
قالت وما ذا بعد ؟
قلت لها كلما مررت من هناك أحرص علي إلقاء السلام عليه والحديث معه قليلا لكنه لا يتذكرني أبدا
سألت : أمازال يجلس هناك بعد كل هذه السنوات
؟
قلت أبدا ، ألتقيه في إشارة المرور التي يصر يوميا علي الوقوف لتنظيمها ، كان قد اختفي عدة سنوات ، ثم عاد بعدها لا يفعل شيئا
سوي الوقوف في هذه الإشارة مرتديا بيجامة منزلية لا يغيرها أبدا ، يقف من الثامنة صباحا حتي قرب الواحدة ظهرا
ثم يختفي ليظهر في اليوم التالي
ضحٍكت طويلا ، قطعت ضحكها
قائلا ، ما يضايقني أنه لا يتذكرني ، العباقرة أقوياء الذاكرة دائما ،
تعالي ضحكها ، قالت فعلا ليس لديه حق ، المفترض ان يتذكرك بعد كل هذه
السنوات
تتجاهل تعليقها مجددا
وتقول ، هل تظنين حقا أن هناك شيئا يسمي الجنون ؟ لا
أظن ، من نطلق عليهم لقب (
مجانين ) هم أناس عاديون ، لكنهم فقط يدخلون سباق تتابع ،
تتابع العمق ، حتي يصلون إلي نقطة
في هذا السباق أبعد من الواقفين في أول السباق
، فلا يسمعون بعضهم البعض ، ولا يتفاهمون أبدا فيصبح ذلك الواقف في أول
السباق مجنونا في نظرهم .
صمتنا طويلا وبدا عليها الاهتمام أخيرا بشيء مما أقوله ،
قلت ، قبل اثنان وعشرون عاما ، خسر مارادونا
ورفاقه مباراتهم الافتتاحية في كأس العالم
، وكان ذلك حدثا وقتها ، في اليوم التالي ذهبت كالمعتاد إلي الحديقة ووجدت ذلك الرجل
العميق يتكلم مع قراء الصحف ، قال
لهم ضمن حكمه الكثيرة التي يقولها ، هو مش مارادونا خسر امبارح ؟ طيب ، هيلعب في النهائي ويمكن ياخد الكاس !! ، والغريب وقتها أن مارادونا ومن معه وصلوا للمباراة النهائية
فعلا لكنهم خسروا ، إلتقيته في اليوم
التالي لهذه المباراة كان يُذكر أصحاب المعاشات بما قاله لهم بعد المباراة
الافتتاحية وأردف / العالم اللي برة عمرها
ما بتبص وراها .
صمتنا طويلا
ومجددا ، قطعت صمتكما
متسائلة فيم تفكر ؟
أجبت بهدوء – في
مارادونا .