Tuesday, August 03, 2010

الغريب من أقوال مولانا أبوحيان التوحيدي

وقد قيل : الغريب مَنْ جَفاه الحبيب. وأنا أقول : بل الغريب من واصله الحبيب، بل الغريب من تغافل عنه الرقيب، بل الغريب من حاباه الشريب، بل الغريب مَنْ نُودِي مِنْ قريب، بل الغريب من هو في غربته غريب، بل الغريب من ليس لـه نسيب، بل الغريب من ليس لـه من الحق نصيب. فإن كان هذا صحيحاً، فتعال حتى نبكي على حال أحدثت هذه الغفْوة، وأورثت هذه الجَفْوة :‏لعَّل انحدارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ راحةً * * * من الوَجْد أوْ يَشْفِي نَجِيَّ البلابليا هذا! الغريب من غَرُبَتْ شمس جماله، واغترب عن حبيبه وعُذّاله، وأَعْرَبَ في أقواله وأفعاله، وعَرَّب في إدباره وإقباله، واستغرب في طِمْره وسِرْباله.يا هذا! الغريب من نطق وصفه بالمحنة بعد المحنة، ودلَّ عنوانه على الفتنة عُقَيْب الفتنة، وبانت حقيقته فيه الفينة حدّ الفينة. الغريب من إن رأيتَه لم تعرفه، وإن لم تره لم تستعرفه. الغريب من إن حضر كان غائباً، وإن غاب كان حاضراً. أما سمعت القائل حين قال :‏بِمَ التعلُّل؟ لا أهل ولا وطن * * * ولا نديم ولا كأسٌ ولا سَكَنُ‏هذا وصف رجل لحقته الغربة، فتمنى أهلاً يأنس بهم، ووطناً يأوي إليه، ونديماً يحلّ عُقَدَ سِرّهِ معَهُ، وكأساً ينتشي منها، وسَكَناً يتوادعُ عنده. فأمّا وصفُ الغريب الذي اكتنفته الأحزان من كل جانب، واشتملت عليه الأشجان من كل حاضر وغائب، وتحكّمت فيه الأيام من كلِّ جاءٍ وذاهب، واستغرقته الحسرات على كل فائت وآئب، وشَتّتَهُ الزمان والمكان بين كل ثقة ورائب، وفي الجملة، أتت عليه أحكام المصائب والنوائب، وحطتّه بأيدي العواتب عن المراتب، فوصفٌ يحفى دونه القلم، ويفنى من ورائه القرطاس، ويَشِلُ عن بَجْسِه اللفظ، لأنه وصف الغريب الذي لا اسم لـه فيُذْكَر، ولا رسم لـه فيُشْهَر، ولا طيَّ لـه فيُنْشَر، ولا عُذْر لـه فيُعْذَر، ولا ذنب لـه فيُغْفَر، ولا عيب عنده فَيُستَر.هذا غريب لم يتزحزح عن مَسقِط رأسه، ولم يتزعزع عن مَهَبِّ أنفاسه. وأغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه، وأبعد البعداء من كان بعيداً في محل قُرْبه، لأنّ غاية المجهود أنْ يسلو عن الموجود، ويُغْمِضَ عن المشهود، ويُقْصَى عن المعهود، لِيَجِدَ مَنْ يُغنيه عن هذا كلَّه بعطاءٍ ممدود، ورِفْدٍ مرفود، ورُكنٍ موطود، وحَدٍّ غير محدود.‏..‏

2 comments:

ابراهيم بن الدولة said...

اود ان اشكرك اولاً على هذا الكلام الرائع الذى ان دل فانما يدل على روح فنان وجميل الحان وغريب اشجان و ....... تصبح على خير ساصلى الفجر واذهب قاهرة

وعموماسلمها للملك

واعلم ان أحكم الناس فى الحياة اناس عللوها فاحسنو التعليلا



يا عزيزي أنت فى وطنك غريب
ومع التفاؤل, انت فى الجوهر كئيب
فلتقاوم ولتحارب كل موقف عصيب
فالشمس تشرق بعد ما يأتي المغيب

alnadeem said...

أشكرك يا أستاذ ابراهيم
أخجلتم تواضعنا
رائعة جدا مقولة أحسنوا التعليلا والأبيات اللي بعدها جميلة برضو
تحياتي