Monday, September 03, 2012

بهدوء





طرق الباب  ، ووجدتها أمامك باسمة  ، قطعت دهشتك  وقالت لم أجد سبيلا للوصول إليك إلا هكذا  ، أفسحت لها لتدخل  ، جلست ، أطالت النظر في مظهرك  المهمل ، قالت إحلق ذقنك وارتدي ملابسك سنخرج شئت أم أبيت
تنتبه  ان لحيتك  قد طالت  بشكل زائد   ، تستجيب لرغبتها  ، تخرج بعدها بنصف ساعة  ، تسحبها من يدها وتخرجا   

كنت قد نسيت شكل الشارع تقريبا  ، تسيران بغير هدي    ، تجلسا في أقرب مكان مناسب
قالت ، ماذا بعد وإلي متي  ، لست وحدك من يعيش قصة غريبة ،تصمت قليلا  تفكر ألا ترد  ،  تقول  لها   بهدوء  ، ليست المشكلة  في القصة الغريبة ، المشكلة انها  قصص غريبة  ، مثل سباقات التتابع ، تنهي قصة لتدخل في الأخري ،  عَلقَت  / لا أعرف سوي هذه القصة  ، أجبت  ولذلك تسألين  .
شردت طويلا  ، قلت لها فجأة ، كنت  المسؤول عن ذلك للأسف ، الحقيقة أنني المسؤول ، أمضيت حقبة من العمر أبحث عن القصص الغريبة  حتي اقتحمتك ولا تريد ان تخرج ، أردفت  بهدوء ( لهم ما يشاؤون عند ربهم  ولدينا المزيد )

قالت علي الأقل سيكون لديك رصيدا من الحكايات  ، كدت ان أرد عليها الرد اللائق بمثل هذا التعليق وصمت فجأة
قلت لها  ، قبل ثلاثة وعشرون عاما ، كنت أواظب علي الذهاب يوميا صباحا لحديقة  عامة مجاورة ،  معظم  الجالسون  هم من أصحاب المعاشات الذين يقضون وقتهم في مطالعة الصحف صباحا ثم العودة لبيوتهم  ، كان هناك  بعض العشاق طبعا ، وينضم إليهم في الشتاء  الصبية الهاربون من مدارسهم
استرسلت قائلا  / وكان هناك أيضا  الرجل الذي يتكلم في كل القضايا  ، كان  شابا  طيبا وبسيطا وعميقا ، كنت استمع إلي حواراته مع قراء الصحف من أرباب المعاشات وأندهش بشدة من كلامه ، كانوا يقرأون الأخبار بطريقة ويتوصولون  لنتيجة ،ويفاجئهم ه بنتيجة مختلفة  أكثر عمقا    ،   
قالت وما ذا بعد  ؟
قلت لها   كلما مررت من هناك أحرص  علي إلقاء السلام عليه والحديث معه قليلا   لكنه لا يتذكرني أبدا 
سألت :  أمازال يجلس هناك بعد كل  هذه السنوات  ؟
قلت أبدا  ، ألتقيه في إشارة المرور التي يصر يوميا  علي الوقوف لتنظيمها  ، كان قد اختفي عدة سنوات ، ثم عاد بعدها  لا يفعل شيئا  سوي الوقوف في هذه الإشارة مرتديا بيجامة منزلية لا يغيرها أبدا   ، يقف من الثامنة صباحا حتي قرب الواحدة ظهرا ثم يختفي   ليظهر في اليوم التالي 
ضحٍكت طويلا  ، قطعت ضحكها  قائلا ، ما يضايقني أنه لا يتذكرني ، العباقرة أقوياء الذاكرة دائما ، تعالي ضحكها  ، قالت فعلا  ليس لديه حق ، المفترض ان يتذكرك بعد كل هذه السنوات
تتجاهل تعليقها  مجددا   وتقول  ، هل تظنين حقا  أن هناك شيئا يسمي الجنون  ؟  لا أظن  ، من نطلق عليهم  لقب  ( مجانين )  هم أناس عاديون ، لكنهم  فقط يدخلون سباق تتابع  ،  تتابع العمق ، حتي يصلون  إلي نقطة في هذا السباق أبعد من الواقفين في أول السباق  ، فلا يسمعون بعضهم البعض ، ولا يتفاهمون أبدا فيصبح ذلك الواقف في أول السباق  مجنونا في نظرهم  .
صمتنا طويلا  وبدا عليها الاهتمام أخيرا بشيء مما أقوله ، قلت ، قبل اثنان وعشرون عاما ، خسر مارادونا  ورفاقه مباراتهم الافتتاحية في كأس العالم  ، وكان  ذلك حدثا وقتها  ، في اليوم التالي   ذهبت كالمعتاد إلي الحديقة ووجدت ذلك الرجل العميق يتكلم مع قراء الصحف  ، قال لهم  ضمن حكمه الكثيرة التي يقولها  ، هو مش مارادونا خسر امبارح ؟ طيب  ، هيلعب في النهائي ويمكن ياخد الكاس !!  ، والغريب وقتها  أن مارادونا ومن معه وصلوا للمباراة النهائية فعلا   لكنهم خسروا ، إلتقيته في اليوم التالي لهذه المباراة كان يُذكر أصحاب المعاشات بما قاله لهم بعد المباراة الافتتاحية وأردف /  العالم اللي برة عمرها ما بتبص وراها  .
صمتنا طويلا ومجددا   ، قطعت  صمتكما  متسائلة   فيم تفكر ؟
أجبت بهدوء – في مارادونا .


No comments: