Wednesday, July 18, 2012

ساكن في حي السيدة



كنت من هواة المشي ، من المشائين الأوائل والكبار  إن شئتم الحقيقة ، لا تعنيني المسافات كثيرا ، أقطعها حين أقرر مهما كانت بعيدة ، كان من المعتاد مثلا ان أسير من حديقة الحيوان إلي حدائق القبة ، من الحدائق إلي أقصي مدينة نصر ، وربما كانت آخر  سباقات المسافات الطويلة قبل عدة سنوات  حين قطعتها وهاني درويش  من وسط البلد إلي عزبة النخل ، المشي هواية مناسبة جدا لمن هو في ملكوت الله مثل اخوكم
 ، وكانت أمي  تدعو إخوتي الصغار  للاقتداء بي ، كانت تُقدر جدا  قدرتي علي الذهاب إلي أي مكان في سن مبكر  وتري  أنني ( صعلوكا حقيقيا )   ، كنت اعرف شوارع القاهرة دربا دربا تقريبا من سن مبكر جدا ، ولذلك كان الطبيعي  مثلا  أن أسافر للأسكندرية بمفردي في سن الثانية عشر ممتطيا قطار الدرجة الثالثة ، ثم في العام الذي يليه  أصطحب معي  ابناء العمومة إليها أيضا

وللمشي قصصه وحكاياته ، والمشاء المحترف  يترك قدمه تسير به ولا يوجهها ، وكان هذا ما أفعله ،ربما نمت هذه الهواية وترعرت في ختام المرحلة الإعدادية ، كنت أذهب إلي دروس يومية في مسجد ( الحريتي   ) بالضاهر ، ولأن المسافة لم تكن بعيدة بين الضاهر والحدائق   قررت علي سبيل التجريب أن اذهب سيرا ، وعلي ذلك انطلقت من مصر والسودان إلي غمرة إلي الضاهر  ، الطريق سهل وواضح  ، المسجد في ميدان بركة الرطل   ، أقطع شارع رمسيس حتي السمتشفي القبطي واعرج يسارا لأصبح في قلب الضاهر حيث المسجد
الموقع المميز لحي الضاهر  وإمكانية الوصول إليه من عدة نقاط مختلفة  كان هو السبب الرئيسي  للتجريب  ، فبدلا من المشي في شارع رمسيس المباشر ، فكرت وقتها  ان أختبر الوصول  من الشوارع الجانبية  أو من طرق أخري ، وكان ذلك ممتعا   ، لدرجة انني  كل يوم من أيام الأسبوع كنت اذهب من طريق مختلف ، أحيانا  أخترق  منطقة قصر السكاكيني  حتي مسجد الضاهر بيبرس ومنه إلي بركة الرطلي ، أحيان اخري  ترماي العباسية   حتي مستشفي سيد جلال  ومنها إلي  ( الطشطوشي ) الشهير بباب الشعرية  ، وأحيان أخري  ترماي شارع بورسعيد  من ناحية الزاوية الحمرا  حتي  منزل كوبري غمرة  ثم سيرا علي الأقدام  ، وهكذا ، كان اكتشافا مثيرا  في وقتها  أن تكتشف مداخل ومخارج متعددة  لمكان واحد  ، ومن هنا  بدأ التجريب  اللانهائي  ، السير دون تفكير  ، ستصل حتما  وستكتشف طرقا جديدة ، ودهشة أن تكتشف طريقا  يصل  نقطتين  ببعض  لم تكن تتصور انه يمكن الوصل بينهما 
ورصيد الحكايات من تلك الايام كبير ، من نافلة القول  ان تذكر كم المرات  التي كنت تسير فيها  شاردا هائما  ثم تصطدم فجأة بصديق ، وكل مرة  من هذه المرات التي تلتقي  خلالها بأصدقاء  ينتهي اليوم بحكاية وقصة لم تكن في الحسبان أصلا ، في إحدي المرات  في شارع الأزهر  ليلا   التقيت بصديق ، كنا  قد تخرجنا  ، اخوكم من آداب  وهو من كلية الهندسة ، تمشينا  قليلا  ومزحنا قليلا  ودار بيننا رهان علي شيء  ما    وكسبت الرهان  وكان عليه التنفيذ والالتزام ، ولم يكن في بالي أي فكرة  عن قيمة الرهان ، أثناء التفكير  مر  بجوارنا  ترماي  ( السيدة / المطرية  )، و  سدادا للرهان الذي خسره أجبرته علي   ركوب  ( سبنسة الترماي ) ، متسلقا الترماي من الخلف  مع الأطفال والصبية ، مانع بقوه في البداية  ورفض بإصرار طبعا  ( وازاي عايزني  اعمل كده  انا مهندس  ) ، لكنه استجاب ورضخ  ، واتشعبطنا احنا الاتنين ، كانت أول مرة يفعل فيها ذلك ، وكنت محترفا بالطبع ، لكن الغريب  انه استمتع جدا  بالرحلة التي قطعناها  متشعبطين في مؤخرة الترماي  من الموسكي إلي  الزاوية الحمرا ، ولا أذكر في حياتي أنني ضحكت  مثلما  ضحكت في ذلك اليوم .

كنت أسير في وسط المدينة متجها إلي شارع القصر العيني ، بعد عبور تقاطع محمد محمود مع القصر العيني سمعت صوتا خافتا  يهمس ( عمر ) ، التفت أبحث عن مصدر الصوت ، لم أجد احدا أعرفه ، تكرر الصوت  ، دققت النظر  فوجدت فتاة مهلهلة الملابس وفي حالة سيئة ، دققت في ملامحها  فوجدتها  صديقة قديمة  ، سألتها  مندهشا  إزيك  يا ...  ، ايه اللي جرالك وأيه اللي عمل فيكي كدة ؟ قالت بخفوت ( تعبانة وديني  لأي دكتور  بسرعة ) . ، خدتها  في إيدي  وطلعنا ع المكتبة  أخدت الفلوس اللي في الدرج  ، ركبنا تاكس وعلي مستشفي المنيرة ، دخلنا وقعدنا  واستنينا الدكتور ، كشف عليها  وسألني عنها  وعن حالتها  ، قلت له ما اعرفش أي حاجة ، انا كنت ماشي وقابلتها بالصدفة وجبتها علي هنا  ، قالي انها محتاجة للراحة بس وتاخد الدوا ده وكده ، كتب لنا روشتة ، اشتريناها من الصيدلية   ومشينا  سألتها  هتروحي فين ، كان الوقت قد  تأخر  والحل الأفضل أن تأتي معي إلي منزل الأسرة في المطرية ، وقد كان   خدنا المترو من التحرير  إلي المطرية  ، وهناك كانت أمي في استقبالي  ومعاها  لفيف من ذئاب الجبل  ( عماتي الاتنين وخالتي  ) ، حكيت لها اللي  حصل ، وتكفلت عماتي  وأمي  بها  يومين متتالين  ، وواضح انها  كانت تحتاج هذه الصحبة  ، قعدوا يهزروا معاها  ويحكوا حكايات ويدوها الدوا   لغاية ما حالتها  اتحسنت فعلا  ومشيت ، المهم  ان عمتي  فضلت  سنوات طويلة  تفكرني بالقصة دي  ووتسخر من عمايلي  ومن اللي بعملو فيهم

ونكمل بعدين


4 comments:

Anonymous said...

يا خى طريقتك فى الحكى مثيرة للشجن والفرحة فى ان واحد .... اية سر كتاباتك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ دة بيفكرنى بكلام واصل بن عطاء الله " يخرج الكلام من القلب مغموسا بما يحمله القلب . فان كان القلب مفعا بالنور خرجت الكلمة بغلالة من نور انارت نفس من يصادفها وان كان القلب يحمل غير دلك اصاب من يصادفه بما يحمل حتى وان كانت الكلمة الجردة تدعو الى فضيلة " .... أسعدتنا كثيرا وابكيتنا أيضا يا استاد عمر
صبرى نافع

alnadeem said...

أشكرك يا عمي ، كلامك وسام علي صدري والله

وقبل عدة ايام كلمني صديق بغرض اللقاء ، وقلت له والله انا لا أخرج حاليا ( إعتزلنا واصل ) .ههههههه

Anonymous said...

الله يا عمر’’’’ايه الروقان ده,,,,,,,فين من زمان ؟

يارا شاهين

alnadeem said...

تسلمي يا يارا
مبسوط انها عجبتك
تحياتي يا قمر