Saturday, March 05, 2011

اكتب عنها كما عشتها مثلما تعلمت في قسم التاريخ الجزء الأول



الرابع والعشرون من يناير عصرا ،مقابلة علي الفيس بوك مع صديق ظابط شرطة ،نعرف بعضنا البعض منذ ست سنوات ، شخص طيب جدا ولا تفهم لماذا التحق بالداخلية رغم انه طبيب بيطري أصلا ، يدور بيننا حوار ضاحك حول مظاهرة الغد ، تتبادلان الضحك كثيرا ، يقول لك معلش في ساحة المعركة ما فيش صحوبية ،ياريت بس ما تحدفوش دبش او زلط ،إحدفوا طوب صغير عشان نرجع سلام ، واحنا من ناحيتنا برضو مش هنتقل أيدينا ، ينهي المحادثة بعبارة نفسي اعرف مين اللي وراها ، شاكك ان امن الدولة اللي مرتب لها !

الرابع والعشرون من يناير ليلا ، مكالمة هاتفية مع محمد خير ، اخبرته أني في المنزل ولن أخرج الليلة ، نتبادل المزاح حول تظاهرات الغد ،ونضحك كثيرا حول فكرة الذهاب للسينما كما فعل السادات ليلة ثورة يوليو ، إتصال من ماريان ،يساورها القلق وتشعر أن شيئا غريبا يحدث وانها لن تكون مظاهرة عادية ، تقول أنها شاهدت العاشرة مساء وأن مني الشاذلي تحدثت عن مظاهرات الغد وخطب الرؤساء الأخيرة ! تعتبر ماريان دوما أن إشارات مني الشاذلي غير بريئة ، تطلب منك توخي الحذر ،تنهي المكالة قائلا (خليها علي الله يا ماريان لا هي اول مظاهرة ولا آخر مظاهرة ) .
علي أحد المواقع تجد تصريحا لعصام العريان حول المظاهرات يقول ( الإخوان سيشاركون بشكل فردي ،من يريد المشاركة من شباب الإخوان سيشارك كأي مواطن عادي ولانستطيع ان نمنعه ) . هذا تصريح مثير للريبة ، انا أحترم عصام العريان ،لكن تصريحاته أحيانا يكون خلفها شيء ما ، تنهي اليوم باتصال مع صديق قديم يشارك لأول مرة يسألك أين نلتقي ومتي ، تتفقان علي المكان ، قبل أن تذهب للنوم تكتب علي الفيس بوك ( كرة التلج بتكبر يا مسهل ) ، تفشل في النوم حتي الثالثة فجرا رغم أن عملك سيبدأ في السادسة صباحا .
تستقظ في الخامسة والنصف ، تتناول الإفطار علي عربة فول قرب محطة المترو ،اليوم عطلة رسمية بمناسبة عيد الشرطة ، أحد الزبائن يقول للبائع ( الحكومة ادت الناس اجازة النهاردة عشان في مظاهرات ) ، تفكر في تصحيح المعلومة له وإخباره أن عيد الشرطة أجازة رسمية منذ العام الماضي لكنك تتراجع ،شعورك بالريبة يزداد ، مصر بالكامل تعلم أن مظاهرات ستجري اليوم ، حتي الأوبرا ألغت حفلاتها اليوم !
في الطريق إلي العمل أمام كوبري الجلاء وشيراتون القاهرة تقف عربة مصفحة تابعة للأمن المركزي ، يلفت انتباهك هذا التواجد المبكر الساعة لم تتجاوز السابعة صباحا بعد !
تنهمك في العمل ، الحادية عشر ظهرا تبدأ الاتصالات من بعض الاصدقاء أين نذهب وكيف نتحرك ، تشعر أنك تحت ضغط المسؤولية ، بعضهم يشارك لأول مرة وتخشي ان يحدث لهم أي شيئ ، سيكون ذلك علي مسؤوليتك ، تفقد تركيزك في العمل وتخطيئ في كتابة إيميل ثلاثة مرات متتالية ، ينتبه رؤسائك لذلك ، تتابع الاخبار التي تتوالي تدريجيا ،خروج مظاهرة من دار السلام ، مظاهرة في مصر القديمة والمشاركون حوالي عشرين ألف ! تقول لحسن فودة أنك غير مصدق ،يبدو ان شيئا مختلفا يحدث فعلا ، تطلب الاستئذان والانصراف مبكرا ، يرفض رئيسك في العمل ذلك ويطلب منك البقاء وعدم المشاركة في المظاهرات ، ترد ما اقدرش طبعا يعني أيه ؟ ، أقعد ادعو الناس ع الفيس بوك وانا ما انزلش ؟
قبل أن تنزل تحاول الاتصال بصديقك القديم تامر ابراهيم والذي يشارك لأول مرة من اجل تغيير مكان اللقاء، كان الاتفاق ان نلتقي بجوار محطة محمد نجيب ، تحاول الاتصال لتبليغه بتغيير المكان والتقاء في محطة الأوبرا ( تغيير المكان كان كسلا مني لا أكثر وليس بهدف التمويه ) ، تفشل في الاتصال به وتبعث إليه برساله تخبره بتغيير المكان والالتقاء في الأوبرا ، يقرأها بعد ان يكون قد وصل محمدنجيب فعلا ،يعود أدراجه إلي المترو ليركبه في اتجاه الأوبرا ، كنت قد وصلت إلي كوبري الجلاء ووجدت المئات يحاولون عبور الكوبري تجاه ميدان التحرير لكن كردونات الأمن تعوقنا ،إتصل بي تامر من محطة المترو ، قلت له إصعد من المحطة ستجد مظاهرة أمامك انضم إليها ، يصعد ليجد نفسه في قلب الحشود المحتشدة ،يتصل بك ويخبرك بذلك وهو سعيد ويقول انهم يشتبكون مع الامن وعددهم كبير ويقتربون من دخول الميدان ، تضحك في سرك ( لابد انه يعتقد الآن أنك القائد المعلم ) والحقيقة أن الموضوع تم فقط بالصدفة ربما أو بالخبرة المعقولة في التظاهر عبر سنوات والتي جعلتك تعتقد ان كوبري الجلاء وقصر النيل سيكون احد المعابر التي سيقصدها عدد كبير من المتظاهرين ، إضافة طبعا إلي معلومة عرفتها قبل مغادرتك المكتب حول مظاهرة تحركت من بولاق والطبيعي أن تتجه إلي التحرير من ناحية كوبري قصر النيل .
علي كوبري الجلاء الذي نفشل في العبور من خلاله تلمح رشا عزب وحسن ، هم فقط من تعرفهم من المتظاهرين ، رشا عزب تقود الهتاف ، تلقي إليها بالتحية من بعيد وتردها، تنضم لها وحسن ، تتلقي اتصالا من يحيي وجدي يخبرك انه علي كوبري الجلاء وتخبره انك هناك أيضا ، تلتقيان قليلا قبل ان تتفرقا بفعل الزحام
كان اللافت بقوة ان نسبة كبيرة من المتظاهرين هم شباب صغار السن أولادوبنات في حدود من الثامنة عشر إلي الخامسة والعشرين ، من هؤلاء ؟ هؤلاء غير مسيسين بالمرة ومكانهم الطبيعي كافيهات وسط البلد وحدائق العشاق ، إنها مصر المدهشة الولادة دائما ، معنا أيضا شباب الإخوان ، في الزحام وأثناء محاولات اختراق الكردون يشتبك بعض الشباب الصغير مع عساكر الأمن ويشتمونهم ، تتدخل للتهدئة وتقول للشباب ان هؤلاء العساكر لا ذنب لهم وهم بالتأكيد متعاطفين معنا ويعانون اكثر منا ، تعتذر للعساكر ، يشعر الشباب أنه لا جدوي من محاولات اقتحام الجلاء ونتحرك فجأة باتجاه شارع النيل متجهين إلي كوبري اكتوبر ، تلمح بعض وجوه شباب الأحزاب الأخري الوفد والجبهة وعلي رأسهم أسامة الغزالي ،تتصل بمحمد خير الذي يخبرك انهم يخوضون معارك طاحنة في القصر العيني ،نسير هاتفين بسقوط النظام ونوجه هتافنا للاهالي في المنازل الذين احتشدوا لمتابعتنا ( إنزل – إنزل ) ، نصل إلي كوبري أكتوبر من ناحية العجوزه ، نتمكن من مغافلة الأمن واقتحامه لأن عددنا أكبر منهم بمراحل وتوجد خمسة محاور للكوبري ،تنتبه انك وحسن في مقدمة الصفوف وبدون تفكير تقتحمان كردون الأمن المركزي في ظل تشتت الظباط والعساكر الذين فوجئوا بهجوم المتظاهرين من محاورالكوبري المتعددة ، ننجح في الاقتحام وينسحب الأمن تماما ، كنا قد أصبحنا قرابة ثلاثة آلاف متظاهر ووجودنا فوق الكوبري تسبب في تضاعف عددنا حتي وصلنا قرابة الخمسة آلاف تقريبا ، كنا نهتف حين يمر أي أوتوبيس بجوارنا ( إنزل إنزل ) ولأول مرة في التاريخ كان العشرات ينزلون فعلا وبحماس .
كان حسن ورشا وآخرون يقودون الهتافات بالتناوب ، توقف حسن قليلا لالتقاط الأنفاس وتدخين سيجارة ، مزحت معه قائلا ( وجودك طمانني أننا سنقضي الليلة في زنزانة ) ،لنا سابقة مشتركة عام 2005 بعد أن أعلن مبارك ترشحه للانتخابات الرئاسية وخرجت مظاهرة 31يوليو الشهيرة ، ألقي القبض عليه بعد أن أعطيته لافته كنت قد التقطتها من كريم الشاعر وهو محاصر في الكردون الذي ضربه الأمن عليهم امام الحزب الناصري ، ثم ألقيت اللافته ذاتها لحسن والتي كان مكتوبا عليها (لا لمبارك ) بعد أن حاصرني الأمن أيضا في شارع طلعت حرب ، وبعد إلقاء القبض علي حسن ، لحقت به بعدها بخمس دقائق إلي نفس عربة الترحيلات ومنها إلي معسكر الدراسة
تضحكان قليلا علي هذه الذكريات وتكملان المسير والهتاف ، كنا علي مشارف الوصول للمقرالرئيسي للحزب الوطني بالكورنيش ، دب الحماس مجددا بعد رؤية مقر عدونا الأول بلافتاته الكريهة ( من أجلك انت ) ، توقفنا قرابة عشر دقائق مرددين الهتافات المطالبة بسقوطه وسقوط حسني مبارك وولده واحمد عز ، الجماهير علي الأرصفة وفي السيارات وفي الشارع الذي توقف تماما تراقب ما يحدث والبعض ينضم إلينا ثم تقدمنا تجاه الميدان ، أمام الحزب بدأنا نشم رائحة الغاز المسيل والسائل الغريب الذي يرشونه الذي يجعل العين تدمع (يا اهلا بالمعارك يا بخت من يشارك ) ، لكننا لم نخض أي معركة ،وجدنا الميدان مفتوحا والآلاف من المتظاهرين يحتلونه ، إستقبلونا بالهتاف المدوي ، تقدمنا إلي قلب الميدان لنجد عشرات الآلاف من المتظاهرين ، لم أر هذا المشهد منذ مظاهرة احتلال العراق قبل ثمان سنوات ، بدأت البحث عن الأصدقاء وجدت احمدخير ومحمد خير واحمد ناجي وياسر نعيم ونيرمين خفاجي وحاتم تليمة، تجلس مع محمد خير قليلا لالتقاط الأنفاس ، يحكي لك محمد تفاصيل المعارك الطاحنة التي خاضوها حتي أجبرواالأمن علي الهرب واقتحمواالميدان ، يقول مين كان يصدق المشهد اللي احنا فيه ده ، تقفان لالتقاط صورة ثم تنضمان إلي الجموع المحتشدة ،يلمحكما أحمد ناجي ويسلم عليكما قائلا : معجب بإصراركم علي الصداقة حتي في النضال ،كانت الساعة قد وصلت إلي الخامسة تقريبا ،تسمع صوت هتاف جديد يتسلل إلي أذنك ،ترُكز لالتقاطه،ترتعش كل خلايا جسدك بعد أن التقطته ورددته معهم لأول مرة (الشعب –يريد –إسقاط النظام ) ، يرتج الميدان من قوة الحناجر التي تردده ، تقريبا لم أعش من قبل لحظة ساحرة مثل هذه اللحظة، تلمح بين الصفوف المخرج والصديق تامر السعيد وهويتحرك محمسا المتظاهرين علي ترديد الهتاف الساحر المعبر تماما عما نريده ،تلتفت يمينا إلي محمد خير لتجد علي وجهه نفس الحماس والقوة والحسم وهو يردد الهتاف الذي كان له مفعول السحر فيما حدث بعد ذلك .

6 comments:

Unknown said...

يخرب بيت سنينك يا عمر... خليتني أعيش اللحظة بكل تفاصيلها وأحسدكم وألعن أبوكو واحد واحد عشان تثوروا من غيري... يعني ما كنا متلقحين معاكو ليل نهار ونطلع المظاهرات بتاعة السلم أم 150 متظاهر وما تحبكش معاكو تثوروا بجد وتسقطوا النظام إلا بعد ما نُحبَط من دين أم دي بلد وأبو أم ده شعب وهوب تثوروا بقى وتصحى البلد ويفوق الشعب... واطيين واطيين واطيين يعني

لست بحاجة طبعا للثناء على سردك التأريخي السلس لكن بدلا من الثناء هاهددك بتطليع تيت اللي جابوك لو كسلت وما كملتش بقية الأجزاء... أنا أصلي عارفك... الفصل الأول من أنا والفيزا وكوندوليزا وبعدين تسك على بقية المسرحية وتمسح الفصل الأول كمان

في انتظار بقية الأجزاء يا زعيم

تحياتي

alnadeem said...

ههههههههه
ولا يهمك يا معلم الثورات جاية كتير
لومش في مصر نيجي تعملها عندك
فكرك يعني هنبطل نتظاهر ، طاب ازاي
انا مش متخيل نفسي غير معارض أصلا
ههههههههههه
تحياتي وما تقلقش الجزء التاني قريب بعد كام يوم

Anonymous said...

كويس يا عمرتدوين اللحظات الفريدة ... يا ابور فريدة اتمنى لك كل التوفيق والنجاح الاهم ان تجنى الاجيال القادمة ثمار التجربة
صبرى عمك

Gid-Do - جدو said...

مبروك على مصر ياعمر - رغم كبر سنى وان الصحة مش تمام لكنى كنت ناوى انزل ميدان التحرير - ووضعت اسوء الاحتمالات هو ان يتم اعتقالى وطبعا الدخلية حيعرفوا انى مزدوج الجنسية وعلى طول يقولوا امسكنا بعميل امريكانى الى اخر الكلام الكبير - وبعد تفكير تراجعت خوفا من ان اكون عبئ على المتظاهرين بدلا من ان اكون واحد منهم - لكن البركة فيكم ياشباب مصر والف مبروك لمصر - وان شاء الله امر عليك فى المكتبة قريبا باذن الله

alnadeem said...

الله يبارك فيك يا عمي
ستجني الأجيال القادمة والحالية ثمار ما حدث
سنحيا بكرامة
تحياتي

alnadeem said...

جدو العزيز الغالي
الله يبارك فيك
ياريتك كنت جيت زرتنا في الميدان
عموما كأنك كنت معانا
فاكر يا جدو أول ما ابتدينا ندون
مش قلنالكم انهم هيقعوا هيقعوا ومش هيورثوا الحكم
الحمد لله حصلت وشفناها وعملناها
تحياتي وفي انتظارك
وياريت تنورني في المكتبة
بس تقولي قبلها بيومين عشان استناك