Monday, April 11, 2011

جمعة الغضب

عدت للمنزل ، إتصالات مع الأصدقاء الذين يفترض ان نتحرك سويا في جمعة الغضب، لم احدد مكان اللقاء وقررت ترك ذلك لصباح الجمعة تحسبا لأي طاريء ، إنقطع الإنترنت تماما وتوقفت خدمة الرسائل الهاتفية والاتصالات أصبحت غاية في الصعوبة ، تتابع قناة الراي ، تشعر انك امام لغز ،القناة غريبة جدا ويتلقي المذيع اتصالات هاتفية من مواطنين من القري والنجوع والمحافظات يهاجمون نظام مبارك ويؤكدون مشاركتهم في جمعة الغضب ،المذيع يلقي توجيهات بكيفية مواجهة البلطجية والتعامل معهم !ويؤكد ان غدا هو يوم إسقاط النظام ،لم تجد تفسيرا لهذه القناة ولم تقتنع انها موجهه من الخارج ودارت شكوكك حول جهة أو ( جهاز ) مصري انه هو المسؤول بشكل بأخر عن هذه القناة ، الشكوك أصلا حول قيام جهة مصرية ما من قلب النظام نفسه بدعم الثورة كانت قد بدأت يوم الأربعاء26يناير بعد سقوط المواقع الإلكترونية لمجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية ،وعبرت عن هذه الشكوك في حوار مع الإذاعة الألمانية حول ما حدث في 25يناير وتوقعات جمعة الغضب وقلت أن 25يناير كان مفاجأة للجميع لأن روافد النهر تجمعت كلها ونزل المصريون للشارع فعلا كما أن قرار البرادعي بالعودة فجأة مساء الخميس مسألة (مليئة بالدلالات ) ،قلت ان الجمعة لن يكون يوما عاديا ويبدو ان هناك من يدعم هذه الثورة في الداخل . تستيقظ صباح الجمعة علي اتصال هاتفي من والدتك في الإمارات تطلب منك عدم النزول من البيت ،كان ذلك آخر اتصال هاتفي ولا تعرف أصلا كيف تم في ظل انقطاع الاتصالات ، لم تتمكن من الاتصال بالأصدقاء الذين كان من المفترض ان تتحركوا سويا ، الثانية عشر ظهرا تتحرك إلي وسط المدينة بالمترو، محطة التحرير مغلقة والأوبرا أيضا ، تنزل في محطة الدقي ، أثناء خروجك تجد الموظفون يبدأون في إغلاق أبوابها ، تزيح الباب وتخرج ويغلقونه خلفك ، تخرج لتجد كردونا أمنيا يغلق شارع التحرير من امام سينما التحرير ليمنع المتظاهرين الذين لم يصلوا بعد من الوصول إلي كوبري الجلاء ، الساعة لم تصل بعد للواحدة ظهرا ، تقف بجوار الكردون الأمني وتسمع حوارا بين مجموعة مواطنين والظابط المسؤول ،يتحدث عن الظباط الذين ماتوا صباح اليوم أثناء إجلاء مصابين من احد العقارات المنهارة وأن الشرطة مظلومة في أحيان كثيرة ، تجلس علي الرصيف انتظارا لوصول المتظاهرين ، علي الجانبين كان فقط قرابة عشرين متظاهرا يقفون في مجموعات صغيرة ، بعدها بخمس دقائق يأتي محمد فرج ، ينضم إليك قائلا ( ياالله نهتف ) تطلب منه الانتظار قليلا لحين زيادة العدد ، ثم يصل أشرف يوسف ، بعدها بقيل تلوح في نهاية شارع التحرير طلائع المتظاهرين ، تقول لفرج ( وصلوا يا فرج ، يالله اهتف ) ، يبدأ محمد فرج في الهتاف ( يسقط مبارك ) وترد بمفردك خلفه وأنتم تتجهون صوب المتظاهرين ، العدد كبير جدا يفوق أي خيال ، قلت له لف تاني يا فرج ونخش ع الكردون ، إقتحمنا الكردون دون أي مقاومة من العساكر الذين انسحبوا تماما ، آلاف مؤلفة تهتف في شارع التحرير وتدعو المواطنين الذين وقفوافي الشرفات للنزول ، وصلنا إلي مشارف كوبري الجلاء ، امام قسم الدقي وقف الظباط والعساكر يتابعون المشهد دون تدخل ، صفق لهم المتظاهرون ، كنت في الصفوف الأولي تماما ،قبل الوصول للكوبري بدأ الضرب الكثيف بقنابل الغاز ، هربا من الدخان الذي نلت منه قسطا محترما تندفع يسارا إلي شارع النيل وتستلقي علي رصيف أحد الشوارع الجانبية ، تلتقط أنفاسك قليلا ، تتجمع مع بعض المتظاهرين في الشوارع الجانبية وتتحركون بالقرب من حزب الوفد ،من إحدي البلكونات يلقي إليكم الأهالي علب مناديل ورقية ، شباب حزب الوفد يوزعون كمامات ، نصائح الثورة التونسية كانت مفيدة فعلا بعد ان جربنا استعمال الكوكاكولا في الوقاية من تأثير الغازات ، الخل أيضا كان مفيدا ، عدنا مجددا لشارع التحرير ،اعداد المتظاهرين أصبحت أسطورية ، تلتقي علاء كمال ودينا حشمت ، تسألك دينا عن وجود بلطجية او لا وتخبرها انك حتي الآن لم تري بلطجية ، تتقدم للصفوف الأمامية مجددا ، إمرأة خمسينية نحيفة تشبه أمي كثيرا كانت تتقدم ايضا ، تطلب منها الرجوع للخلف والبقاء هناك ، تنضم لكتيبة قاذفي الحجارة ، معظمهم من شباب ما دون العشرين ،أبناء الأحياء الشعبية بولاق وامبابة وما شابه والاستثناء الوحيد تقريبا بينهم هو عمرو واكد ، العيال زي الوحوش ،قنبلة الدخان وهي طايرة في الهوا تلاقي العيل من دول مسكها ما تفهمش ازاي وحدفها ع الأمن تاني ،تردد في سرك ( الشعب هو القائد والمعلم والله وأي ادعاءات نخبوية بقيادة هذه الثورة ستكون أكاذيب ) ، العيال بيعملوا أشياء مذهلة فعلا (كان ناقص ينطقوا القنبلة علي صدرهم زي لعيبة الكورة ويشوطوها للأمن ) ، تشتعل إحدي عربات الأمن المركزي ويهرب الظباط والعساكر ، يصعد البعض فوق العربات رافعين اعلام مصر ونقتحم كوبري الجلاء حتي نصل إلي كوبري قصر النيل لتبدأ المعركة الكبري المرعبة ،ضرب هيستيري بقنابل الغاز والرصاص المطاطي ،لا عارف تجري يمين ولا شمال بسبب التدافع الرهيب ، تنحشر في وسط الكوبري لا تدري ماذا تفعل ،التقدم للأمام مستحيل بسبب جنون الأمن والتراجع للخلف مستحيل أيضا لأنك ستدهس أحد أويدهسك احد الإصابات والإغماءات تتوالي حولك بفعل الرصاص المطاطي والتدافع والدخان ، تتشبث بسور الكوبري بكل عزم ممكن ، هذا النوع من المواقف لا يعتمد صمودك فيه علي وجود خبرة من عدمها ، دي مواقف بتاعت ( انت ونصيبك ) ، بقاءك سليما هومجرد صدفة لا أكثر ،( لوهلة تفكر في القفز في النيل فعلا هربا من هذا الجحيم )،لحسن الحظ يومها أن الطبيعةتعاطفت معنا قليلا ، إتجاه الهواء كان في صالحنا ويجعل الدخان يرتد ثانية تجاه من أطلقوه ،تتشبث بسور كوبري قصر النيل بكل ما لديك من عزم وتتمكن أخيرا من الابتعاد عن مرمي النيران ، تستلقي علي الرصيف أمام الأوبرا غير مصدق انك نجوت ، سيارات الإسعاف تصل وتبدأ في نقل المصابين ، نجح الأمن في إجبارنا علي التراجع من الكوبري ولاحقنا بقنابل الغاز عند الأوبرا فتراجعنا مجددا متمركزين في الشارع المجاورللأوبرا الرابط بين كوبري الجلاء وكوبري قصر النيل ، كان هاجسك الأول في تلك اللحظة ألا تتم محاصرتنا من ناحية الجلاء ،ستكون كارثة إذا حدث ذلك ونصبح بين طرفي الكماشة ، تتحرك بين الصفوف ومعك احد شباب الإخوان تطلبون خلق مساحات بين الصفوف و الانتشار إلي ما بعد كوبري الجلاء حتي لا يتمكن أحد من حصارنا وحتي نجد مساحات للحركة دون تدافع كي لا يتكرر ما حدث فوق كوبري قصر النيل ، وان اهم شيء إذا حدث ضرب كثيف مجددا الناس ما تجريش بهيستريا ( تتحرك أو تمشي بخطوات سريعة لكن ما تجريش عشان ما ندوسش بعض ) ، كانت نصيحة في وقتها فعلا ،الضرب الهيستيري عاد مجددا وابتعادنا عنه كان منظما هذه المرة ولم يقع منا أي احد . تستلقي علي الرصيف بجوار محطة الأوبرا ،تلمح خالد الصاوي وعمروواكد يقومون بالتقاط الحجارة من الأرض ويتقدمون للصفوف الأمامية ، علي جدران سور الأوبرا كتابات بالاسبراي بسقوط مبارك ونظامه ( نال احمد عز تحديدا نصيا وافرا منها ) ، يلفت انتباهك عبارة ( كش ملك ) ! تعود ذاكرتك فجأة إلي ثلاث سنوات خلت وتتذكر الشخص الذي اتصل بك عقب تغطيتك لحريق مجلس الشوري وعلق علي ما كتبته للدستور يومها وقال لك ( التوريث مش هيتم علي فكرة والنظام هيقع وهيتعملهم (كش ملك )! تلمح ( الحاجة )مجددا ،تنفعل عليها هذه المرة وتقول لها (يا ستي أبوس ايدك ارجعي ورا روحي اقفي في ميدان الدقي ) ، تكرر لقائي بالحاجة عدت مرات في بقية أيام التحرير وأحببتها جدا وأتذكر لها كلمة قالتها تقريبا وهي بتعيط قالت ( أنا مش مصدقة ، انا لما نزلت يوم 25كنت فاكرة اني هبقي لوحدي ). تشعر بإجهاد وتذهب للدقي لشراء زجاجة مياه ، تهدأ هواجسك قليلا من فكرة (الكماشة ) العدد يستحيل محاصرته ، تلمح جيهان فاضل ( جيهان وعمروواكد كانوا أكتر اتنين من الفنانين بحس انهم مستقتلين فعلا ع الثورة ) ،حسيت ده أكتر في اليوم التالي لموقعة الجمل جيهان كان باين عليها الحزن والإجهاد والاستقتال ايضا ولسان حالها يقول (علي جثتنا ) ،المهم ،تذهب لشراء زجاجة مياه ،تعود وتقف علي مطلع كوبري الجلاء في الدقي ،لا توجد وسيلة تواصل تعرف منها ما يحدث في بقية الأماكن ، نلمح من بعيد أطياف مظاهرة ضخمة قادمة من ناحية الجيزة ، عددهم اسطوري لا يقل بأي حال عن ثمانين ألف متظاهر ، يصلون علي موجات متتابعة وتدرك بعد رؤيتهم أن دخول ميدان التحرير اصبح محسوما لصالحنا .

4 comments:

Anonymous said...

جميل
وحُسمت المعركة ,
كما حُسمت اشياء كثيرة
وكل منا كان سعيد بما يفعله
وكنا ولازلنا نأمل فى غد افضل لمصر وابنائها
وكفرنا بما قاله دنقّل وخلف كل قيصر يموت يولد قيصر جديد
وما قاله جيفارا ان الشرفاء يصنعون الثورة والاوغاد يسرقوها
وما قاله شيطان الشعر "لقد كنت اعلم اننى انتمى الى جنس منحط لا يستطيع فهم الثورة ,لا ينتفض الا لينهب مثل الكلاب لا تنقض الا على فريسة من صيد غيرها "
لا احد ينكر عن الحد الذى وصل اليه النظام السبق من الانحطاط فبرع فى ضرب اخوته وفى ضرب عدو الارض ما برع
المعم وبعد ان امتعتنا بما حدث . ولان التاريخ ليس فقط سرد انما يتعداها الى التحليل والتنبؤ اذا كثيراً ما يعيد التاريخ نفسه"هو بغبوته "
انا عن نفسى غارق فى الغباء لا استطيع ان اقول شيئ , لا استطيع ان ادرك او اناعى او افهم او ان اتكلم .
لكنى استطيع ان اقرأ , واسمع , اسمع منك بالذات
وآسف لما حسبته إطاله وقد تحسبه انت شيء اخر
meslmat

Anonymous said...

جميل
وحُسمت المعركة ,
كما حُسمت اشياء كثيرة
وكل منا كان سعيد بما يفعله
وكنا ولازلنا نأمل فى غد افضل لمصر وابنائها
وكفرنا بما قاله دنقّل وخلف كل قيصر يموت يولد قيصر جديد
وما قاله جيفارا ان الشرفاء يصنعون الثورة والاوغاد يسرقوها
وما قاله شيطان الشعر "لقد كنت اعلم اننى انتمى الى جنس منحط لا يستطيع فهم الثورة ,لا ينتفض الا لينهب مثل الكلاب لا تنقض الا على فريسة من صيد غيرها "
لا احد ينكر عن الحد الذى وصل اليه النظام السبق من الانحطاط فبرع فى ضرب اخوته وفى ضرب عدو الارض ما برع
المعم وبعد ان امتعتنا بما حدث . ولان التاريخ ليس فقط سرد انما يتعداها الى التحليل والتنبؤ اذا كثيراً ما يعيد التاريخ نفسه"هو بغبوته "
انا عن نفسى غارق فى الغباء لا استطيع ان اقول شيئ , لا استطيع ان ادرك او اناعى او افهم او ان اتكلم .
لكنى استطيع ان اقرأ , واسمع , اسمع منك بالذات
وآسف لما حسبته إطاله وقد تحسبه انت شيء اخر
meslmat

alnadeem said...

شكرا لحضرتك علي الاهتمام
وأشكرك علي الرد الذي لم أر به إطاله
بالمناسبة هي لحظة مربكة لنا جميعا لأن ما حدث غير مسبوق تاريخيا لم تشهد مصر مثله عبر آلاف السنين
نقطة أخيرة
ليه حضرتك مهتم تسمع مني بالذات ؟
خالص مودتي

Anonymous said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جُزيت خيراً على ردك
سيادتك تسأل " ليه حضرتك مهتم تسمع مني بالذات ؟"
واجيب بما اريد ان اسمعه منك .وهو النظرة الى الغد, الى التحديات و الفرص , الى جوانب الضعف والقوة
وما رائيك فى المتشائمين . والمفرطين فى التفائل ؟

الى اين نذهب؟ وكيف؟و مسار الثورة!ما هو دور المواطن,والمثقف(دورى ودورك )
بنظرة موضوعية كما امتعتنا بالماضى نرجو منك - مجرد طلب -ان تبتعد عنه وتحلق فى المستقبل والحاضر تعطينا تصوراتك عما يحدث ؟وما تأمل ان يحدث ؟ وما تخشى وقوعه ؟
ولما ؟
اما قولى بالذات فقد قصدت بالنوع . النوع او الصنف الذى خرج من الموقف بذكرى لا تعرف النسيان فحكى وروى وقص ماحدث
ارجو ان لا يكون خاننى اللفظ - حتى الفظ يخون - والا اكون قد اخطأت -وهى عادتى - وان تكون وصلت اليكم معنى الفقرة ومضمون الفكرة
وتأكد اننى كمصرى شعورى غداًسيكون كشعورى اليوم ؛ اكره ان ارى من يتولى حمايتى يتولى سرقتى
وان اره قد التكم...وقد افنى العناقيد